سنعرض اليوم مسار عقود شراء المحروقات لمؤسسة “كهرباء لبنان”، وهو مسار تابعناه على مدى 10 سنوات وكانت لنا فيه محطات يمكن أن يكون الناس قد نسوا بعضها بفعل تسارع الأحداث وتوالي الأزمات.

في حكومة الرئيس السنيورة أواخر العام 2005، وقّعت وزارة الطاقة بتكليف من مجلس الوزراء عقوداً لشراء الفيول أويل والغاز أويل من شركات النفط الوطنية في الكويت والجزائر. ويجدّد مجلس الوزراء هذه العقود كل 3 سنوات )القرارات في المستندات المرفقة).

وعند تولّينا وزارة الطاقة، أثار الوزير جبران باسيل إمكانية تحسين الشروط والأسعار وفاوض وخفّض عشرات الملايين، وعندما حان موعد التجديد للعقود في العام 2011 طالب الوزير باسيل بإجراء مناقصة عالمية لمعرفة ما إذا كانت أسعار العقود مناسبة أم لا، ولتحسين الشروط والأسعار إذ أمكن.

واستغرق الأمر ثلاث جلسات متتالية لمجلس الوزراء لإنتزاع الموافقة على إجراء مناقصة، لأن ذلك يندرج ضمن صلاحيات المجلس، بالتوازي مع إصرار الأفرقاء في مجلس الوزراء على تجديد العقود وإنتظار نتائج المناقصة لاتخاذ القرار المناسب في ما بعد.
وتشكّلت لجنة وزارية مؤلفة من رئاسة الحكومة ووزارتي الطاقة والمالية من أجل وضع دفتر شروط المناقصة. وعندما أنهت وزارة الطاقة عملها، إختفت وزارة المالية عن السمع وتوقفت عن حضور إجتماعات اللجنة وعن الرد على المراسلات.

واستقالت بعدها الحكومة في العام 2013 ومرّ 11 شهراً على تصريف الأعمال إلى أن تغيّر وزير المال سنة 2014 واستأنفنا العمل ورفع وزير الطاقة آنذاك أرتور نظاريان دفتر الشروط الى مجلس الوزراء. وعاد واستغرق الأمر 7 جلسات لمناقشة دفتر الشروط، واجه خلالها وزراء تكتّلنا الأسطوانة نفسها: الإستقرار والأمن الطاقوي والعلاقات مع الدول العربية… نقاش كان هدفه إضاعة الوقت للوصول إلى التجديد التلقائي للعقود.

وبعد استنزاف الوقت والجلسات والحجج، أبلغنا الوزير دو فريج في مجلس الوزراء موقفاً سياسياً واضحاً من كتلته، التي كان يرأسها الرئيس فؤاد السنيورة، بأنهم غير موافقين على إجراء المناقصة، فسحب رئيس الحكومة الموضوع عن الجدول وتجدّدت العقود.
كل ما أقوله اليوم ليس سراً، بل ذُكر آنذاك في الإعلام ومحاضر مجلس الوزراء موجودة، لكن الناس ينسون أحياناً.

وفي العام 2017 كنا قد راكمنا خبرة معركتين في مجلس الوزراء و10 جلسات حول هذا الموضوع وانكشفت مواقف الأطراف السياسية، لذلك كانت المعركة أقسى والأسطوانة هي نفسها: العلاقات مع الجزائر والكويت والإستقرار بالتزود بالمحروقات…
وفي النهاية أبقوا على العقد إنما نجحنا في انتزاع الموافقة لإجراء مناقصة على الكميات الزائدة بفعل ازدياد معملين: معمل الزوق الجديد ومعمل الجية الجديد. وتوجهنا لإجراء المناقصة في العام 2018 إلى إدارة المناقصات التي لم تجرِها أيضاً وبدأت بعدها فترة تصريف الأعمال التي دامت 9 أشهر.
ثم أتت الوزيرة ندى البستاني بعدي وحاولت أيضاً إجراء المناقصة في إدارة المناقصات وكانت تُواجَه بالحجج نفسها: عدم الورود على الجدول السنوي، أو عدم التوازن المالي… وللمفارقة إنه متوفر للعقود!

أنا اليوم أتّهم بالسياسة كل الأفرقاء الذين صوتوا ضدنا أو الذين لم يقفوا إلى جانبنا خلال 12 جلسة لمجلس الوزراء من أجل تغيير هذه العقود وإجراء مناقصات عالمية جديدة تُظهر لنا موقعنا بالنسبة إلى السوق!
كنت أفضّل أن لا أقوم بتسمية أحد لكن من نكد الدنيا على التيار أن يُضطر اليوم إلى تكرار المطالب التي “إنبح صوته” منذ سنة 2010 وهو يطالب بتحقيقها، لذلك توجهت للمستقبل وأتوجه للقوات اللبنانية “اللي عم يحكوا علينا” ولديهم نائب يكرر العراضات الإعلامية.
إسأل وزراءك عن موقفهم في العام 2017 وما الذي قالوه لمجلس الوزراء! إن المحاضر موجودة وذاكرتنا حاضرة، فليحاسِب وزراءه وليتعلّم أن الإصلاح ومحاربة الفساد هو موقف يُتخذ في مجلس الوزراء وهو إجراء تتخذه في وزارتك وليس من خلال العراضات الإعلامية!

وهناك موضوع ثانٍ على الشاشة اليوم نفصله عن موضوعنا الأول وهو قضية الفيول المغشوش. ما حصل هو أنه مع الوزيرة بستاني إنكشف الموضوع لأنها تلقت للمرة الأولى إعتراضات من المعامل، ففتحت تحقيقاً واستعانت بـ “كهرباء فرنسا” للتحقيق بالموضوع وتابعته حتى بعد خروجها من الوزارة ولاحقته وفضحته.
واليوم أصبح الملف في عهدة القضاء الذي من شأنه أن يتهم… وستُظهر التحقيقات إلى متى يعود هذا الملف ومن المسؤول، ولدى التيار الوطني الحر ملء الثقة بالقضاء وهو ينتظر ككل اللبنانيين جلاء الحقيقة في موضوع هو من طرحه

وأعتقد اليوم أن اللبنانيين علموا وفهموا ما كنا نقوله حول أن خطة الكهرباء تتعرقل:
هل علمتم الآن لماذا يتعرقل بناء المعامل؟
هل علمتم الآن لماذا لا تُسدّد فواتير الغاز المصري بهدف انقطاع الغاز؟
هل علمتم الآن لماذا لم يتم البتّ بمناقصة محطات إستيراد الغازالطبيعي على مدى 4 حكومات؟

ويرتجلون أرقاماً ويحمّلون الكهرباء عجز الدولة والدين العام. فيقول واحد 40 ملياراً وآخر 47 ملياراً وغيره 50 ملياراً. “اعتمدوا على رقم يا شباب” فلا نريد أن تختلط الأمور على الرأي العام. إن المساهمات التي منحتها الدولة للكهرباء خلال السنوات العشر الأخيرة موجودة في الموازنات بقيمة 16 مليار دولار لشراء المحروقات.

وهذه سياسة ورثناها منذ الـ94، سياسة دعم فاتورة الكهرباء للمواطنين وكنا الوحيدين الذين تجرؤوا على وضع خطة لرفع التعرفة وتصفير عجز الكهرباء. وكان في كل موازنات الدولة فائض أولي حتى مع مساهمة الكهرباء أي أن لا عجز بدون إحتساب خدمة الدين والأرقام واضحة: إن مجموع واردات الدولة في 29 سنة هو 167 مليار دولار، ونفقاتها بدون خدمة الدين 164 مليار دولار.

فإذاً “من وين بيكون جايي العجز؟” من الكهرباء أو من سياسات الإستدانة المستدامة والنموذج الإقتصادي الريعي الذي أوصلنا في 30 سنة إلى ما نحن عليه اليوم؟

حوار
وفي معرض ردّه عن اعتبار البعض أن فتح هذا الملف جاء لأهداف سياسية قال أبي خليل: “لو أردنا مقاربة هذا الملف سياسيا لكنا أثرنا “مشكلًا” في السياسة منذ زمن طويل، لكن الموضوع تقني بحت. أشرت الى أنه لدى ورود اعتراضات الى وزارة الطاقة، تابعت الوزيرة بستاني الموضوع حتى بعد انتهاء عملها في وزارة الطاقة وأودعته القضاء؛ اليوم ننتظر القضاء حتى يقول كلمته في هذا الموضوع إذ من شأن استباق القضاء والتحقيقات إضاعة المسؤوليات. والإعتراضات جاءت على نوعية الفيول فجرى التحقيق بذلك بالإستعانة باستشاري عالمي من “كهرباء فرنسا”، وجرى فحص النماذج في أماكن عديدة وهذا ما اأوصلنا الى حيث نحن الآن ونحن بانتظار التحقيق من أجل جلاء الحقيقة”.

وعن عدم تردد إسم “سوناطراك” في السابق وعدم التطرق الى عدم حصول العقد من دولة الى دولة إبان الفترة التي تعاقب فيها وزراء “التيار” على رأس وزارة الطاقة، اعتبر أن “المواطن لا يركز على موضوع إلّا عندما يكبر، فمراجعة أرشيف 2011 و 2014 و 2017، يتبين أن التيار لم يقصّر في التحدث عن هذا الموضوع”، مشيراً الى تحدث “التيار” عن عقد مع شركات نفطية، فالدول عادة ما توقع العقود النفطية عبر شركات؛ “أرامكو “شركة للسعودية، والدولة الفرنسية تمتلك السهم الذهبي في شركة “توتال”، روسيا تمتلك 51% من “روسنفت”، تطرقنا الى ذلك وملأنا الإعلام في ذلك الوقت”.

وعن أنه وردت في المناقصة التي قدمها “التيار” الى إدارة المناقصات بحسب خبير الإتحاد الأوروبي الإشارة بكل وضوح في دفتر الشروط أن هذه المناقصة وإن قدمت في 2018 و 2019 فهي على قياس الشركتين الكويتية وسوناطراك، أوضح أبي خليل: “أنا قلت ما قلته، ولكن يجب التمعن بالقراءة كي لا يحصل إلتباس، فهذا الأمر ينطبق على المواصفات التي ينبغي أن تتوفر بالفيول والنقطة المتعلقة بمواصفات الفيول يضعها مصنع المعمل وتضعها الدولة وتبلغها الى جميع شركات النفط ولا يحصل العكس، فالمعمل نفسه نؤمّن له الفيول ذات المواصفات نفسها من أي شركة كانت، وهذا ما أنا أعترض عليه، إذ إنه عندما يتسبب أمر بديهي كهذا بإيقاف مناقصة فهذا يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها”.

وعن المستفيد من شركة البساتنة و ZR energy أعلن إنه “ليس في وارد تسمية أحد “مشيراً الى أن “العقود ثنائية بين الدولة اللبنانية وشركات نفط وطنية تمتلكها دول وهذه العقود لا تضع شروطاً على هذه الشركات في ما يخص كيفية جلبها الفيول أو المحروقات”. وقال: “نعم نحن وجدنا الشروط مجحفة بالنسبة الى الدولة اللبنانية، وقلنا ذلك ورأينا أنه بالإمكان خفض الأسعار وذلك موثق في المحضر فعندما سألني رئيس الحكومة عن رأيي بالسعر أشرت له الى أنه لا يزال أعلى من السوق والى أننا لا نستطيع الحصول عليه بسعر السوق إلا بواسطة مناقصة. كل هذه الأمور واقعة وموثقة وهذا السؤال يجب أن يطرح على كل من لم يقف الى جانبنا ولم يوافق معنا على إجراء المناقصة وكان يصوت لمصلحة تجديد العقود”.