البلد يمرّ من قطوع الى قطوع، وآخر واحد محاولة إسقاط الحكومة، في سياق المؤامرة الاقتصاديّة التي يتعرّض لها لبنان، كنّا توقّعنا حصولها وسمّيناها 13 تشرين اقتصاديّة.

في 13 تشرين 1990، كانت المعركة وجوديّة لأنّها تتعلّق بلبنان الحرّ السيّد المستقل، واليوم المعركة كمان وجوديّة لأنّها تتعلّق بمصير الدولة.

الذين شاركوا بضربنا بالـ 90 لتخلو الساحة لهم ففرغت الساحة منهم أيضاً، عم يرتكبوا نفس الخطأ اعتقاداً منهم أنّو بإسقاط العهد، يرتاحون منّا ولا يفهموا أنّه بسقوط مشروعنا تسقط الدولة؛ وبسقوط الدولة يسقط الوجود، الاّ اذا كان مشروعهم ان الميليشيا  تحلّ عن جديد جداً محلّ الدولة (والجيش)، والدولة الصغيرة تحلّ مكان لبنان الكبير. وهنا الكارثة!

بدّ ي أحكي على 3 محاور اليوم.

– الوضع الاقتصادي:I

شو صار؟ مع بدء المؤامرة، كان في حكومة وحدة وطنيّة قرّر رئيسها أن يهرب من المسؤولية ويرجع لها على رأس حكومة الثورة، ضيّعنا الوقت لغاية وصول يلّي ارتضى تحمّل مسؤولية وتغيير النهج.

من الطبيعي أنّ المنظومة السياسيّة والماليّة المتحكّمة بالبلد منذ التسعين تتصدّى للتغيير. هذه المنظومة كانت قطعت السيولة الماليّة لتطلق شرارة الحراك الشعبي بـ 17 تشرين، ومع تراجع الحراك الصادق قرّرت أن تتلاعب بسعر صرف الليرة، وتسكّر حنفيّة الدولار، لتعيد نفس السيناريو الذي أسقط حكومة الرئيس كرامي في (92).

وكلّما الحكومة دقت بهالمنظومة، رح يتكرّر نفس السيناريو مثلما جنّ جنونهم في التعيينات المالية الأخيرة.

لهيك الحكومة لازم تبقى جاهزة لتمنع سقوط التغيير. كيف؟

أولاً بصمودها وبأعمالها لتحفاظ على ثقة اللبنانيين وثقة الجهات الداعمة لها؛ ورغم كل ملاحظاتنا وحثنا للحكومة على زيادة انتاجيّتها، نحنا مش مستعدين نسحب الثقة عنها طالما هي عم تنجز والبديل غير متوفّر، ومش مستعدين نحطّ البلد بالفراغ والمجهول عن جديد (متل ما صار مع الحكومة السابقة).

– ثانياً بتأمين الاستقرار الأمني والنقدي.

1 –  الأمني من خلال ضرب كل من عم يحاول يخرّب السلم الأهلي ويسبّب الفتنة. يلّي صار ببيروت وطرابلس لازم يكون درس كبير للجميع ان الفتنة ممنوع حصولها.

الفتنة السنيّة الشيعيّة ما بيجوز التحريض عليها بحديث الـ 1400 سنة على لسان الطفيليين وهي رح تفشل طالما رافضينها الكبار.

والفتنة المسيحية الاسلامية ممنوعة، وخطوط التماس في الشيّاح لن ترجع، ومش مظاهر الحماية الذاتيّة المزيفة بتمنعها انّما التفاهمات العميقة يلّي تشهد عليها كنيسة مار مخايل؛ لهيك لن تقوى على إسقاط هيدا التفاهم  أيّ قوّة بهدف إسقاط الوحدة الوطنية. هذا من جهة، أمّا من جهة ثانية، يلّي عم يحرّض علينا للتعويض عن ضعفه لن نردّ عليه لأنّنا حريصين على أهله أكثر منه. ومن جهة ثالثة، العيش الواحد في الجبل هو مقدّس بالنسبة لنا، ولن تقوى عليه حادثة  قبرشمون؛ ومع صدور القرار الظني ظهرت الحقيقة المعروفة، بس هيدا الشي يدفعنا لمزيد من التسامح.

من هنا تأتي أهميّة دعوة الرئيس الى الاجتماع في بعبدا درءاً للفتنة بكل ابعادها حتّى ولو اختلفنا سياسياً، أفلا نلتقي على منع الفتنة عن بلدنا؟

2 – النقدي من خلال إجراءات فعليّة مسؤول عن اتخاذها مصرف لبنان ولا يمكن اختصارها بضخ محدود للدولارات بتروح ضيعان من دون وقف التلاعب بالدولار والغاء الدولرة تدريجياً والاتكال على العملة الوطنية،  والحدّ من الحاجة للدولار بتخفيف الإستيراد وترشيده وزيادة الانتاج والتصدير وجذب الاستثمارات؛

الاجراءات كثيرة وتتضمّن حصر عمليّة الصرف بالمصرف المركزي للمواد الأساسية كالمحروقات والقمح والأدوية، وحصرها بالمصارف التجاريّة للسلع الغذائية والمواد الضرورية للإنتاج، والزام المصدّرين بتحويل ثمن صادراتهم الى المصارف اللبنانية، وإيقاف الدعم المعمّم على المحروقات والقمح لئلا تذهب أموال الدعم لغير اللبنانيين واستبدالها بقسائم دعم الى المحتاجين انتاجاً أو فقراً.

ثالثاً الاصلاحات البنيويّة المطلوبة:

1- الفساد: لا يكفي أن تكون الحكومة غير فاسدة، ولكن مطلوب منها محاربة الفاسدين وهو ما لم يظهر بعد.

2- الكهرباء: جيّد أن الحكومة اقرّت الخطة التي إذا نُفّذت، تؤدّي الى 24/24 وتصفير العجز؛ ولكن على الحكومة أن تلزّم المعامل الكهربائية ومعامل التغويز وتعيّن مجلس ادارة كهرباء لبنان وتعدّل قانون الكهرباء، لتقدر تعيّن الهيئة الناظمة.

3- اصول الدولة:  لازم يبلّش تأسيس الصندوق السيادي الائتماني لاستثمار  أصول الدولة، وتلزيم تنفيذ هذه العملية لاستشاريين عالميين، لأن لا حل لتعويض الخسائر الكبيرة إلاّ من خلال هذا الصندوق.

4- الاصلاحات المالية في الموازنة المقبلة لتصغير العجز، خاصةً عن طريق ضبط التهريب والجمارك وتسكير بعض المؤسسات ووقف الهدر.

5-الاصلاحات النقدية: لازم يبلّش تنفيذ خطة الحكومة مع إجراء التصحيحات اللازمة عليها، وتحديد نهائي للخسائر بالتزامن مع تنفيذ قرار مجلس الوزراء بإجراء التدقيق التشريحي على حسابات مصرف لبنان، وهنا نستغرب التأخير غير المبرّر وكأنّه إخفاء لما سيظهر. إنّ عدم اطلاق هذه العمليّة  هو أكبر فضيحة بحق هذه الحكومة.

-الاغتيال الجماعي للتيّار:II

نحن دخلنا الى هذا النظام سنة 2005 بعد رحيل الوصاية وعودة القرار الحرّ للبنانيين لنقدر ان نغيّر من الداخل ديمقراطياً. ولكننا لسنا الأكثرية، ولا نستطيع ان نأخذ وحدنا القرارات لصالحنا، لذلك نحن بحاجة دائماً الى أكثر من فريق ليكون معنا لنحصل على أكثرية. وأنتم تعرفون أنّه حتى أقرب اصدقاءنا لم يكونوا معنا في الكثير من الملفات او القرارات، وذلك لاعتباراتهم أو أولوياتهم، وهذا ما يسبّب القلق او البلبلة في صفوف التيّار، ويعبّر عنه أحياناً في وسائل التواصل الاجتماعي؛ ويسألوننا، بقلق او بزعل، لماذا يتركوننا وحدنا ولا يقفون معنا في الملفات الأساسية كالكهرباء والنفط والفيول وسوكلين ومرفأ بيروت والاتصالات والموازنة والجمارك والحدود… ونحن كنّا نجاوب بضرورة تفهّم أسباب حلفاءنا، ولكن اليوم مع اشتداد الظروف وأثرها النفسي والمادي عند الكتار، ما عاد فينا نطلب من الناس ان تتتفهم اكثر! كنّا نقول في السابق  أن أولويّتنا هي بناء الدولة وبالتالي محاربة الفساد، وهم يقولون أن اولويّتهم المقاومة لحماية الدولة، وبالتالي للتمكّن من بنائها لاحقاً. أمّا الآن  فالخطر الوجودي يطال الدولة وبنائها، والمقاومة وحماية لبنان، فماذا يبقى من أولويّة على ذلك؟

وماذا يجب ان يحدث أكثر لكي نتخذ القرار بتغيير السياسات القديمة ؟

ولكي لا أُفهم خطأ، أنا اتكلّم حصرا عن السياسة المالية والاقتصادية، وربطاً عن الفساد، الذي أوصلنا الى الانهيار ولا أتكلّم عن اسرائيل والارهاب أو عن السياسة الداخلية.

الأموال عم تتسرّب للخارج وما عم نعمل اللازم لنستعيدها، ولا حتى عم نعمل اللازم لوقف تسرّب المزيد منها واستنزاف احتياطنا النقدي المتبقي!

من 2005 الى 2008 بقينا خارج الحكومة وعارضنا من مجلس النواب، من 2009 الى 2016 دخلنا الحكومة بأعداد متزايدة، من الـ 2016 صار على رأسنا رئيس جمهورية بصلاحيات محدودة ولم نستطع ان نغيّر السياسة النقديّة ولا رأسها.

والخيار الآن هو بين هذه المنظومة والبلد، امّا هي وامّا هو. فماذا نختار؟

طبعاً نختار ان ننقذ البلد ونعمّره! ولا يمكن تعمير بلد بالنكد السياسي والشائعة والتنمرّ، وهي آخر موضة. نعمّر البلد بالعمل والجهد ومش بالكذب والكلام وعرقلة المشاريع. المشكلة بالعقلية السياسية التي تعتبر ان إنجاز أي مشروع من قبل غيرها هو خسارة سياسيّة لها فتعرقله.

استنجدنا بالناس ليساعدونا على السياسيين يلّي عرقلوا مشاريع البلد على مدى سنين وشو بدنا نعدّ! من المحكمة الخاصة بالجرائم المالية، الى الكهرباء، الى النفظ والغاز، الى خط الغاز الساحلي، الى محطات التغويز FSRU، الى السيارات على الغاز وغيره.

وترجّينا المجتمع المدني ان ينتفضوا معنا ضد يلّي وقفوا المشاريع؛ بس لمّا انتفضوا، انتفضوا علينا، وبدل ما يساعدونا على وقف العرقلة، صاروا جزء إضافي منها وصاروا ينمّروا علينا بكلمة “ما خلّونا”، ويقولوا لنا سمّوا، ونحنا اساساً اختلفنا مع الكل من كترة ما سمّينا.

ما حدا بيقدر يرهّب التيّار من قول الحقيقة، ولا من حريّة الحركة بين الناس؛ وأنا أنبّه أنّه من االيوم وطالع، ما رح نسمح بالتعدّي المادي والمعنوي علينا.

بعدني عم هدّي شبابنا ليتحمّلوا الشتيمة والتعدّي من أي أزعر بحجّة أنّه ينتمي الى الحراك، لكن الى متى؟ خلص! الحراك هو للأوادم وليس للزعران – ردّوا الحراك للأوادم لسوى نحارب الفساد ونعمّرالبلد.

نحن نتعرّض للإغتيال السياسي الجمَاعي بسبب الكذابين وأنا اتحسس مشاعر التياريين وأفهم غضبهم وأعتذر منهم على الحاحي بتهدئة اعصابهم وتطويل بالهم، ولكن بوعدهم رح نفضح الكذابين  تماماً مثلما عملت ندى بستاني مع أحد النواب  ورح اعطيكم بعض الأمثلة:

1 – التعيينات والمحاصصة:

إتهام التيّار بالمحاصصة هو لاستهدافنا بالادارة! يلّي ضد الحكومة يريدون أن يعينوا محاسيب لهم وإلا يهدّدون بالاستقالة من مجلس النواب، ويلّي بالحكومة يختاروا  ناس بأسوأ سيرة ذاتية ومجبورة الحكومة تقبلهم لحتى مرجعيّتهم  ما تحرد، ورغم هيك قاطعوا جلسة التعيينات … والطرفين يحاضرون أنهم ضد المحاصصة.

شو المحاصصة؟  

اولاً، نظامنا الطائفي موزّع حكماً حصص على الطوائف والمذاهب.

ثانياً، دستورنا ينصّ على الحصول على ثلثي الوزراء للتعيين، وبالتالي انت تحتاج لتوافق في مجلس الوزراء لتعمل التعيين.

ثالثاً، الاختيار لازم يكون من بين الأكثر كفاءة ونزاهة  بالطوائف، وهنا التحدّي الأساسي، وهنا تصلح الآليّة لمساعدة الوزير على اختيار المناسب ولمجلس الوزراء بالقبول او بالرفض؛ ولكن لا يكون الحل بمخالفة الدستور وتخطي الوزير ومجلس الوزراء واستبدالهم بأشخاص  اصلاً مرجعيّة تعيينهم سياسية، لو مين ما كانوا، وحتى لو من المجتمع المدني. ما في حدا بالعالم بنظام برلماني بيتعيّن بالسلطة التنفيذية أو بالإدارة الاّ بقرار سياسي.

نحنا ساهمنا بوضع الآليّة وطبّقناها 14 مرّة في وزارة الطاقة، وهي ساعدتنا أوقات وغشّتنا أوقات، ولكن مش مقبول أن يحوّلوها لقانون مخالف للدستور بس للنكد السياسي لأنّهم خارج الحكومة! وشوفوا مين!

2 – في التشكيلات القضائية:

نفس الشيء ينطبق على التشكيلات القضائية. مجلس القضاء الأعلى تمّ اختيار اعضاءه بمراسيم من سياسيين لأن نظامنا يقوم على المرسوم الذي يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المختصين المختارون من كتل نيابية بانتخابات من الشعب.

لو صحيح أن الرئيس يريد وضع يده على القضاء، لكنا عيّنا مجلس القضاء الأعلى من قضاة تابعين لنا خاصة انو كان لنا 3 وزراء عدل، وهذا ينطبق تحديداً على رئيس المجلس الذي اختاره رئيس الجمهورية لسمعته الجيّدة ولاستقلاليّته (المفترضة). والبرهان أنّه من اصل 10 قضاة في المجلس، ما صوّت ولا واحد منهم مع رغبة الرئيس المعروفة بعدم السير بالتشكيلات القضائية كما هي.

الحقيقة أن الرئيس رفض التشكيلات لأنّها لا تحترم المعايير التي تحدّث عنها مجلس القضاء نفسه، (بل تمّ فيها التقاسم بين مرجعيّات لطوائف محدّدة ومجلس القضاء الأعلى).

أين معيار الأقدميّة؟

أين معيار الدرجات؟

أين معيار الكفاءة؟

أين معيار الكسر بالملفات؟

أين معيار الآدميّة والنزاهة؟

أين هي المعايير القانونية ؟

ومعايير الشفافية وعدم الاستنسابية والمحسوبية؟

الوقائع والأسماء معروفة من أصحاب الشأن،واذا لزم منحكيها.

3 – الفيول المغشوش:

نحن قدّمنا الملف من قبل 3 وزراء الى الحكومة لإجراء مناقصة جديدة ورفض مجلس الوزراء.

نحن خفّضنا الأسعار ووفّرنا على الدولة (65) مليون دولار كل سنة.

نحن كشفنا قضية الغش في الفيول وقدّمنا شكوى الى القضاء.

نحن رفعنا أي غطاء سياسي عن أي موظف وسكتنا، بالوقت يلّي غيرنا حمى وهرّب وتباهى، ورغم هيك عم يحاولوا يرموا التهمة علينا، وبعض الحراك يشارك معهم باتهامنا تحت عنوان “كلّهم يعني كلّهم”. (متل ما بلّشت بقضية التمديد لمجلس النواب).

هذا ملف فُتح التحقيق فيه وتبيّن أنّه فوق الدعم السياسي للمتورطين، هناك غش. غش بكميّات الفيول المسلّمة من خلال التلاعب  بدرجات الحرارة بالمازوت وبزيادة المياه الى الفيول لضخّه في الخزانات واحتسابها بالكميّات، وغشّ بنوعيّة الفيول لأنّهم يشترون وسخ الفيول يضيفون له اوساخ كيمائية، وغشّ بتقارير الفحوصات. وهناك أضرار بمالية الدولة من خلال الغش بالأسعار، وبطريقة الدفع حيث تدفع الدولة خلال شهر بدل الاستفادة من فترة الـ 6 أشهر المسموحة وتوفّر الفائدة، واذا تعمّق التحقيق لاحقاً قد يتبيّن أنّ هناك عمليات ماليّة سأتحفّظ عن ذكرها حالياً.

كل ذلك لزيادة الأرباح وتمويل أفرقاء سياسيين، واحد منهم يعقد المؤتمرات الصحافية لمهاجمتنا والآخر يتنطّح بكلّ وقاحة ويدافع في الإعلام. هذا كلّه لا يهمّنا، ما يهمّنا هو ختم (جزء من)  التحقيق وإصدار القرار الظني وإصدار الأحكام بعدها لمطالبة الشركة بدفع الأضرار الى الدولة وهذا اسمه “استعادة الأموال المنهوبة”،  ليصدّق اللبنانيون أنّه يمكن للدولة ولو لمرّة أن تحصّل حقوقها.

بعرف انو الناس يهمّها أن ترى المرتكبين الكبار في السجن وليس فقط الموظف الذي يقبض 2500 دولار على كل تزوير بل الكبير الذي يحمي ويأخذ ملايين الدولارات .هؤلاء واحد اختبئ وآخر هرب، واحد يتلطّى بالمظلّة السياسية وآخر بمظلّة مالية، وهذه الشمسيّات كلّها لن تنفعهم لأنّ ربّنا سيدينهم في آخرتهم. يبقى ان يدينهم القضاء؛ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان عم تتهرّب من إجابة مدّعي عام التمييز على أسئلته! ولكن هناك قضاة يواجهون الخطر ويقومون بعملهم بكل جرأة ويبقى على قاضي الحكم ان يحكم باستعادة الأموال المنهوبة الى الدولة؛ ويبقى على الحكومة ان تجري سريعاً مناقصة جديدة وتأتي شركات عالمية لا تلزّم عملها الى شركات لبنانية فاسدة تلجأ الى السياسيين تموّلهم على حساب الدولة، ليعملوا هم سياسة بالبلد على حساب الناس!

وتعالوا بعد هيك اقتلوني سياسياً واغتالوني معنوياً، وما بدّي أعمل رئيس جمهورية.

4 – الكهرباء وسلعاتا والغاز:

مشكلتنا بالكهرباء أنّنا نريدها 24/24 لنوقف العجز بالموازنة بسبب تسعيرة مدعومة هم وضعوها تؤدّي الى خسارة من مليار الى مليارين دولار بالسنة حسب سعر النفط؛ هم وضعوا التسعيرة والدعم الذي يذهب للمواطنين وهم يتهمّوننا أنّنا مسؤولين عن هدر المال في الكهرباء وكأنّ المال يذهب الى جيوبنا وليس الى المواطنين. نريدها 24/24 لنوقف الموتورات التي تأخذ من المواطنين مليارين دولار بالسنة وهم يريدون إبقاءها لأنّهم مستفيدين منها. نريدها 24/24 على الغاز لنوقف استيراد الفيول الغالي والمغشوش، وهم يريدون إبقاءها على الفيول لأنّهم مستفيدين منه. هيدا الفيول بيموّل نفس المنظومة.

سلعاتا نريدها لأنّ من دونها لا كهرباء 24/24 كوننا بحاجة لـ 3 مواقع لنؤمّن الـ24/24، وبحاجة الى معملين وليس معمل واحد في سلعاتا، لنزيل المعامل القديمة المكلفة ولنخلص من معمل الزوق ونشيله ونشيل تلوثه عن كسروان ونحرّر أرضه الغالية الثمن لنجعلها مورد استثمار ودخل للدولة بدل أن تكون مكان للهدر والتلوث.

واذا حكينا عن نقل أرض المعمل من حنوش الى سلعاتا فلنخفّف الكلفة على الدولة لأنّ كلفة الأرض الصناعية أرخص من الأرض السياحيّة، ولأنّ معمل كهرباء يوضع في أرض صناعيّة وليس في أرض سياحيّة فيها جمال طبيعي وفيها جمال تراثي؛ وهم يريدون إبقاءها بحنّوش لأنّ لهم مصالح مع الشركات التي تلوّث… شركاءهم وشركاتهم أهم من مواطنيهم.

أمّا الغاز فنحن أجرينا مناقصة عالمية سنة 2012 وأخذنا باخرة تغويز واحدة في البداوي/طرابلس لأنّه كان السعر الأنسب، اضافة الى قسطل غاز واحد على طول الساحل اللبناني من طرابلس الى صور. أوقفوا قانون القسطل منذ 2012 في مجلس النواب، ورفضوا المعمل الواحد في حكومة الوحدة الوطنية وطالبوا بأكثر ووافقوا على 3 معامل تغويز، واحد على كل معمل كهرباء في دير عمار وسلعاتا والزهراني، والآن بعد ان خرجوا من الحكومة يتكلّمون عن تطييف الغاز! اين كنتم من هذا الكلام عندما رفضتم في مجلس الوزراء المعمل الواحد؟! تفضلوا اعملوا محطة تغويز واحدة كبيرة مع قسطل واحد يغزي المعامل كلّها، أو اعملوا محطة تغويز صغيرة لكل معمل على الشاطئ بس بتقرّروا بالنكد تلغوا واحد من الثلاثة! أنا اخترت سابقاً ان يكون المعمل في طرابلس لأنّه الأرخص وأقبل الآن لأنّه معمل وطني لكل لبنان؛ لكن أن تمذهبوا الموضوع أنتم وتضعوا واحد في كلّ منطقة من مناطقكم (ويفوز بها متعهدّيكم المحليين)، وتقولوا لنا لا لمنطقتكم وإلاّ تتهمونا بأنّنا نطيّف الموضوع، فلا! استعينوا بمن شئتم من السفراء والدول، وهوّلوا علينا قدر ما شئتم بمستقبلنا السياسي فلن تفرق معنا!

لا شركة عندنا، ولا أرض عندنا ولا مصلحة عندنا سوى مصلحة شعبنا!

أمّا المنطق العلمي وأمّا المنطق السياسي! بالمنطق العلمي نغلب وبالمنطق السياسي لن نقبل ان تتغلب! (هناك مناقصة عالمية شفّافة جرت فازت بها تحالف شركتين عالميتين، ووافق عليها مجلس الوزراء. فرجونا الحوكمة الشفافة ( good governance) والغوا نتائج المناقصة  وتحمّلوا انتم المسؤولية! واعملوا توزيعة سياسية خارجية تراعي مصلحة لبنان…)

5 – المشاريع وعرقلتها:

مثل عن المشاريع التي عرقلوها هي السدود. ما في سدّ عملناه إلاّ واخترعوا لنا قصة عليه. طبعاً إنّ إنشاء السدود مسألة معقّدة في العالم كلّه، وهي أصعب في لبنان بسبب طبيعته الجبلية والجيولوجيّة؛ لكن لا حل عندنا للمحافظة على مياهنا السطحية إلاّ بتخزينها في البحيرات والسدود، بعد أن لوّثنا وهدرنا مياهنا الجوفيّة برخص الآبار العشوائية التي أعطاها المدراء العامين في قوى الأمن الداخلي خلافاً للقوانين بموجب أذونات مخالفة تراوحت من البلاش الى الـ 50 الف ليرة الى ألوف الدولارات.

آخر هالسدود سدّ بسري بعد أن اخترعوا السبب النووي لسدّ بلعا، والسبب التشجيري لسدّ جنة والسبب التدميري لسدّ القيسماني وهيك !

سدّ بسري وجرّ الأولي هما مشروعان متلازمان اقرّيناهم وأمّنا تمويلهم في 2011 و 2015، ودفعنا عليهم حتى الآن حوالي 500 مليون دولار منهم استملاكات لبسري 155 مليون دولار، وبقي حوالي 200 مليون دولار لبناء السدّ موضوع منهم 10% ومأمّن التمويل وملّزم السدّ ليحتوي 125 مليون متر مكعّب أي اقل من دولارين لكل متر مكعّب وهو أرخص سدّ في لبنان، المشروعان يؤمنان مياه من جزين لبيروت لحوالي 40% من سكان لبنان. بعد أن وافق عليه بالاجماع مجلس الوزراء، ووافق عليه بالاجماع مجلس النواب، وقط 9 سنين ودفعنا كل الأموال الآن يريدون إلغاءه بعد أن خرجوا من الحكومة بالنكد السياسي.

قبضوا الاستملاكات ويطالبون بإلغاءه ابتزازاً لأنّهم يريدون متعهّد معيّن لهم.

أقول لأهل بسري، اسألوا أهل عين دارة كيف روّحوا عليهم سدّهم وندموا! لا تروّحوا عليكم هذا المشروع الحيوي البيئي المائي الإنمائي وتندموا عليه لاحقاً لأنّه لن ينفع الندم.

هذا السدّ هو لكم وليس للتيّار الوطني الحر،

هذه المياه هي لكلّ بيروت وليس للتيّار الوطني الحر،

هي للضاحية وللطريق الجديدة وللحازمية وليس للتيّار الوطني الحر وبيروت وضاحيتها ستعطش من دونه!

يستفيد منه 1,6 مليون اليوم و 1,9 مليون لبناني في 2035، هذا المشروع ليس للتيّار ليدافع عنه وحده، واذا دافع بيطلع مستفيد وفاسد!

ستنتفعون من انمائه ومياهه في بسري، وستتمشون حوله وتفرحوا به، كما يتنزّه اليوم كل اللبنانيين على درب المسيلحة ويمّرون جنب سدّها، وكما يفرح الآن أهل اليمونة والبقاع بسدّها، وأهل الكواشرة وعكّار بسدّها، وأهل القيسماني وبعبدا بسدّها، وقريباً أهل بلعا وجرد البترون بسدّها، وأهل جنّة وجبيل بسدّها وأهل بقعاتا والمتن بسدّها؛ سيدشن هذه السدود أحد غيرنا وسيشرب الناس من مياهها وسينسون الكذب والخداع وسينسب بعض السياسيين الإنجاز لهم كما فعلوا سابقاً ،لا مشكلة، ولكن دعوا المشاريع تمشي والمناطق تزدهر والناس تتطوّر وأوقفوا نكدكم وخداعكم واتركوا البلد يتقدّم.

III – الاستراتيجيّات

لبنان مطوّق بالأزمات من الداخل والخارج؛ انتظار الحل من الخارج هو الموت البطيء ونحن مدعويين لكسر جدار الحصار. العهد والحكومة في أزمة ومعارضي الحكومة في أزمة ومؤيدي الحكومة مثلنا في أزمة  والشارع في أزمة– اذاً لا انتصار لأحد على أحد، بل الخسارة هي للجميع والكلّ يخسر من شعبيّته عندما يفتقر كل الشعب اللبناني وينهار البلد. الكل من موقعه، دون مصالحات ولا تسويات، يمكن أن يساهم في الانقاذ؛ إلاّ اذا اعتقد البعض أنه بانهيار الهيكل هو ينجو، فهذا رهان خاطئ، والرهان على الخارج والاستقواء به وانتظار تطوراته لتحقيق انتصارات على الشريك هو رهان خاطئ، فالانتصار لن يأتي وصورة المنطقة بدأت ترتسم.

تجزئة المواجهة تضعف لبنان وتجعلنا نواجه بعضنا بدل مواجهة المؤامرة، وتجعلنا، خوفاً من بعضنا البعض، نلجأ الى منطق الحماية الذاتية – الخطاب والاستفزاز الطائفي يضعفنا ويفتح الباب للمؤامرة للدخول علينا – الصراع على موضوع سوريا يضعف لبنان في مواجهة مخطّط توطين النازحين- الخلاف على موضوع السلاح الآن واقحامه في اجندة الحراك يفقد لبنان عنصر قوّة ويضعفه في مواجهة مخطّط توطين اللاجئين – فتح الصراع الداخلي على 1559 وعلى صفقة القرن يسهّل لإسرائيل اعتداءاتها على لبنان ويشجّعها في خطواتها الأحادية المخرّبة للسلام كضم الضفة الغربية وهذاعملياً نهاية لعملية السلام الذي نريده.

الخلاف على موضوع الأرقام والخسائر يجعل لبنان منقسماً في مفاوضاته مع صندوق النقد، فيما عملية تحديد الخسائر هي عمل حكومي وعلى شركات التدقيق المكلّفة من قبلها القيام بها، وعلى صندوق النقد القبول بها لنجاح التفاوض، ويعود لمجلس النواب القبول بها أو لا عندما تطلب الحكومة مصادقته على الخطة أو عندما تطلب إقراره لقوانين من ضمنها، ولكن خسارتنا من اليوم لخيار صندوق النقد هو خسارة لورقة أو لإحدى أهم الخيارات التي يملكها لبنان. فلماذا الخسارة منذ الآن؟ على علمنا انّنا مدركين لأهميّتها ورحنا نشتغل لنقنع الأصدقاء بها وعندما قبلوا بها أصبحنا نعارضها؟ ولمصلحة من نريد إسقاطها؟ لمصلحة أصحاب المصالح الذين استفادوا على حساب مصلحة الدولة وانتفخوا استفادة وانهار البلد بسبب استفاداتهم والآن لا يقبلون أن هناك خسائر كبيرة لأنّها ستأخذ من استفاداتهم وأرباحهم؟! من يتحمّل مسؤوليّة فرط مسار التفاوض مع صندوق النقد قبل الوصول الى خواتيمه؟ اتركوا هذا الأمر لمن يريد فرط العهد والحكومة والبلد!

أنا أفهم أن لا نقبل بشروط الصندوق ونراها قاسية، ولكن أن نفرطها منذ الآن قبل معرفة الشروط بسبب عدم رغبة البعض بتسجيل رقم كبير للخسائر وتحمّله، فيما رئيس الجمهورية والمعنيون من الحكومة والمصرف المركزي وصندوق النقد اتفقوا على كيفية مقاربته! (وصندوق النقد أعلن مراراً في الإعلام موقفه الواضح…)

طيّب، هل تعلمون ما يعني أن ينتهي خيار صندوق النقد؟ يعني انّنا سنخسر مرجعية تجبرنا على إبرام الاصلاحات والإسراع بها. يعني انّنا سنخسر أي إمكانية تمويل من الغرب وأي إمكانية لقيام استثمارات ومشاريع كالكهرباء والبنى التحتية وأي امكانية لاستنهاض القطاع المصرفي والاقتصادي.

ويعني أنّنا سنذهب بالأرجح الى تدهور كبير في سعر الصرف وانهيار الليرة والى تضخّم سريع بالأسعار والى وجوب زيادة المعاشات وسلسلة الرتب والرواتب وطبع العملة الوطنية بكميّات كبيرة وبالتالي انهيار اضافي لليرة وتضخم إضافي وصولاً لا سمح الله الى النموذج الفنزويلي! ويعني انّنا سنضطّر للتوجه الى الشرق، ومن قال أن هذا هو خيارنا؟ هذا لا يكون إلاّ اذا فرض علينا ولم يبقَ لنا خيار غيره. هذا لا يعني انّنا لا نريد أن نتعامل مع الشرق مطلقاً ونبقي على تعامل أوحد مع الغرب! أبداً! ولكن أيضاً لا نريد بخيارنا إدارة ظهرنا للغرب. لبنان بلد التلاقي والانفتاح والتوازن، ونحن نريده أن يبقى كذلك بتوازناته الداخلية والخارجية؛ نريده مزروعاً في شرقه ومتفاعلاً مع محيطه القريب والبعيد بالكامل، ولكن وجهه باتجاه الغرب! هكذا هو لبنان، هكذا رسمه الأوائل، هكذا ورثناه وهكذا نريده أن يبقى! انظروا كيف انعمل كونسورتيوم للغاز في البحر في Total و ENNI و Novatec . فلماذا يعمل بعض الغرب وبعض حلفاء الغرب في الداخل على إجبارنا ادارة وجهنا حصراً باتجاه الشرق؟! هل يعرفون نتائج ذلك ويتحملون المسؤولية؟

انا لا أتكلّم عن حياد، بل عن انفتاح!

أنا لا أتكلّم عن حياد، بل عن ابتعاد عن مشاكل الخارج، فلماذا تأتون بها الينا؟ قلتم لنا ابتعدوا عن أزمة سوريا، وأدخلتم عنصر النازحين الى داخلنا كعنصر دائم مزروع في داخلنا ومهدّد للبناننا. والآن تأتون لنا بعنصر جديد اسمه قيصر، انتظرناه قيصراً من الشرق ليسكر علينا الغرب، فإذا به يأتينا من الغرب ليسكّر علينا الشرق ويقطع عنا الهواء ! فماذا لو أتانا بنتائج عكسيّة؟

نحن لا نريد أبداً المواجهة مع أميركا، لا بل نريد أن نحافظ على الصداقة معها. وقيصر ليس قانوناً دولياً ولكن لدى أميركا القوة لفرض تطبيقه؛ وهو إن طبّق فيعني قطع حدود، وزيادة عبء النازحين وتثبيت بقائهم، لا بل استقدام المزيد منهم بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية في سوريا؛ وبالتالي فرضه يعني خنقنا (من الداخل والخارج). نحن لدينا حدود مشتركة مع سوريا، وأناس وشركات ومصارف ومصالح تعيش بين البلدين، وسوريا هي رئتنا مع العالم العربي، فهل يريدون قطعنا عنه؟ قطعنا عن عروبتنا؟  ولسنا غربيين، بل سنبقى عرباً ومشرقيين بثقافة متنوعة غربية وشرقية.

لبنان له وضع خاص، وعلى أميركا من باب صداقتها معه وعدم خسارته كنموذج، ان تسمح له باستثناءات (waivers) لهذا القانون، بما لا يؤدّي الى خنق لبنان، وبما لا يؤذي الغاية التي من أجلها وضعت أميركا هذا القانون، ولو كنّا لا نوافق على هذه الغاية اذا كانت لخنق الشعب السوري. من هنا على الحكومة اللبنانية، ووزارة الخارجية البدء بمباحثات صادقة وصريحة للإقرار بهذه المصالح واعتماد هذه الاستثناءات للبنان. كما على لبنان، ولمصلحته، أن يأخذ جدّياً الاجراءات الآيلة الى ضبط الحدود ووقف التهريب على المعابر الشرعية وغير الشرعية. كذلك  على لبنان ولمصلحته، وقف تسرّب الأموال الى سوريا لأنه هو بحاجة ماسة اليها. ووقف دعم المحروقات والقمح وبعض المواد لأنّها بذلك تتسرّب خارجه وهو بحاجة اليها.

العالم اليوم ما بعد كورونا سيمّر بأزمة اقتصادية خانقة، وسيشكّل حجم الدين العالمي نسبة غير مسبوقة للدخل العالمي، وهو وحده كافٍ لاندلاع الحروب المتنقلة، وقد نصل الى حرب عالميّة اذا ما شعرت الدول الكبرى ان تنافسها الاقتصادي قد حُسِم لمصلحة أحد بسبب ما تسبّبت به الكورونا.

أميركا لديها انتخابات رئاسية هذه السنة، وترامب يقول لإيران علناً تعالي الى اتفاق معي قبل الانتخابات، أنا سأربح والاتفاق معي الآن هو أفضل منه لاحقاً، وإيران تجيبه بأن الحل هو بالعودة الى الاتفاق النووي الموجود وهو ما لا يمكن لترامب أن يقبل به قبل الانتخابات – اتفاق اميركا وإيران سيحصل، ولو بعد حرب، وسيغيّر أمور كثيرة عندنا ويريحنا، ولكن التوقيت ضاغط بالنسبة لنا. لذا لا أقول أنّه علينا الانتظار، بل علينا الصمود؛ والصمود يكون بالعمل على الإصلاحات وتنفيذها ويكون بالإقتصاد المنتج.

صدّقوني إن ما يحصل هو فرصة كبيرة للبنان لتغيير اتجاه اقتصاده، وهو ما لم يكن ليحصل لو بقينا في نفس ظروف الدعم من  الدولة بالاستدانة، اللبناني يعيش فوق قدرته. (كل شي اثنان) سنة 2018 استوردنا  بـ(580) مليون دولار لحوم ، وبـ ( 100) مليون دولار سمك ونحن على المتوسّط! لا مش قبول الوضع هيك ونحن لا نزرع ولا ننسج ولا نصنع! يقولون ” الحاجة أم الاختراع”، ونحن شعب معروف أنّه يتحمّل ويتأقلم “والحاجة ستكون بالنسة لنا أمّ الابتكار”.

إبتكار الزراعات الجديدة، ولو على البلكون وسطح البناية، إبتكار الصناعات الجديدة ولو باختراع الماكينات وتركيبها محلياً (كما رأينا بمواجهة الكورونا)، وابتكار للسياحات المتنوّعة ولو بفتح بيوت الضيافة ودروب المشي، وابتكار الخدمات الالكترونية التي تسمح لنا بتكييف التكنولوجيا لحاجاتنا. نشرب نبيذ لبناني بدل الاجنبي، ونشرب عرق بدل الويسكي، ونصنع Vodka gin ونوقف استيراد (136 مليون$) من الكحول! هل تصدّقون أن لبنان يستورد بـ (360 مليون$) من الألبان والأجبان والحليب، بالوقت يلّي بإمكاننا أن نصنع حتى حليب البودرة في لبنان! بعض المؤسسات بدأت بتصنيع أكثر من  50 صنف من الأغذية التي يستوردهم لبنان. نحن سنتحوّل الى شعب صامد اقتصادياً، دون أن نخسر انفتاحنا وثقافتنا.

لازم نغيّر عاداتنا البشعة في الإنفاق ما فوق قدرتنا، ولكن نحافظ على تقاليدنا الحلوة (بالضيافة والكرم)، والأهم أنّنا شعب متضامن مع بعضنا وخاصةً مع المحتاج، وأنا أكيد أن اللبناني لن يقبل أن يترك لبنانياً جائعاً.

وتجربة الكورونا أظهرت لنا أوّل موجة من التضامن المجتمعي؛ في لحظات الضيق ستظهر محبتنا لبعضنا، والتيّارمثلاً يعمل على إيجاد الأراضي لزرعها بالحبوب ومساعدة الناس المحتاجة في كلّ المناطق؛ وإذا نجحنا، لن نترك محتاجاً دون ان نؤمّن له العونة.. نحن أهل العونة اللبنانية ولن يجوع انسان.

كذلك يجب أن نجد الوسائل لعدم ترك أولادنا من دون مدارس وأن لا نترك مدارسنا تقفل. نحن تقدّمنا باقتراح قانون لتقديم 300 مليار ليرة كمساعدة أوليّة الى المدارس الخاصة، وعلى الحكومة أن تزيد بموازنتها الأموال للمدارس الرسميّة لأنّها ستستوعب المزيد من الطلاب السنة المقبلة. المدرسة والجامعة هي عنوان تميّز لبنان لأن العلم هو ما يحصّن تنوّعنا ويحمي شعبنا من الجهل والتعصّب؛ ونحن هنا ننادي الدولة والدول والمنظمات والجمعيّات العالمية والمنتشرين اللبنانيين، والفاتيكان والكنيسة الروسية والانجيلية أن يهبّوا لنجدة طلابنا ومدارسنا وجامعاتنا والعلم في لبنان.

مدارس الإرساليات هي من أسّس للنهضة العربية، وإقفالها في لبنان يعني بداية العتمة الفكرية في بلدنا. صدّقوني أن سلمنا الأهلي مهدّد إن أقفلت مدارسنا.

كما أن الاستقرار الأمني هو أهم ما عندنا، والحفاظ عليه هو واجب على الأجهزة وعليها عدم إظهار التراخي وتغييب هيبة الدولة في ظلّ قلّة الأخلاق التي نراها من البعض. إنّ هذا المسار سيؤدّي الى ان تأخذ الناس حقها بيدها ان لم تقم بذلك الأجهزة المولجة بأمان الناس وكرامتهم.

وهنا أتمنى أن يعاد التفكير باعتماد برنامج الخدمة العسكرية لإنصهار اللبنانيين وتعزيز الانتماء الوطني ولتربية الشبان على محبّة الوطن بدل ما يلعنوه، وكذلك على اعتماد برنامج الخدمة المدنية بالزراعة والقطاف وتجليل الأراضي وتجهيزالمشاعات، وبالبيئة والأنهر والشواطئ، والكثير من الأنشطة التي تربط الشاب اللبناني بأرضه وبيئته وطبيعته عوض ربطه بمشاريع وأفكار مشبوهة.

أساس مشروعنا للدولة المدنية هو بالتربية المدنية لتنشئة طلابنا وشبابنا على الفكر المدني والمواطني وهو شرط أساسي لكي تكون المواطنة بالنفوس وليس بالنصوص.

نحن نشرنا هذا الأسبوع ورقتنا السياسية التي نقرّها سنوياً في 14 آذار ولم ننشرها وقتها بسبب موجة الكورونا، وقد شدّدنا فيها على مشروعنا للدولة المدنية وما يجب أن يرافقه من خطّة تنفيذيّة وبرنامج زمني لإنشاء مجلس الشيوخ وقانون الانتخاب وقانون الأحوال الشخصية الموحّدة وقانون اللامركزية الإدراية والمالية الموسّعة وإدارة أصول الدولة والتنمية المناطقيّة والتطوير الواجب في دستورنا وسدّ الثغرات فيه للوصول بالتوافق ومن خلال الدستور الى نظام علماني متطوّر بدل البقاء في نظام طائفي يولّد لنا الأزمات تباعاً.

كذلك نحن كنّا تشاركنا قبل 17 تشرين بإعداد وثيقة سياسية مع مجموعة من الشخصيّات الوطنية لنعلنها في تشرين الثاني 2019  في مؤتمر كبير يضمّ شخصيّات تؤيّد الدولة المدنية؛ إلاّ أنّ احداث 17 تشرين أخّرتها. الآن تمّت مراجعة الوثيقة وتم تحريك بعض الإتصالات لنرى اذا الاستعداد والجهوزية لا تزال قائمة، فوجدنا التجاوب والإيجابية الكافية لإطلاق هذه الوثيقة، ونأمل أن نعقد هذا اللقاء التأسيسي الأوّل خلال شهر تموز المقبل، ليكون انطلاقة وطنيّة لكلّ التنوّع اللبناني في مشروع يوحّد اللبنانيين تحت راية انتمائهم اللبناني أي “اللبنانية”، في وقت نشهد فيه مشاريع ومؤامرات التقسيم تفتك بكلّ دول المنطقة وخاصةً القريبة منّا في مشرقنا العربي.

هذه وسيلتنا السياسية الآن للتأكيد على وحدة لبنان وتمسّكنا بالعيش الواحد فيه، وللبحث الجدي عن كيفيّة تطوير نظامنا السياسي الذي يمنعنا من الإنتاجيّة بإسم الطائفيّة، ومن الإصلاح بإسم الطائفية، ومن البناء والتطوّر والتقدّم بإسم الطائفية !!!

الله خلقنا شعوباً وقبائل ” لكي تعارفوا” وأوصانا بأن “احبّوا بعضكم بعضاً كما انا احببتكم” فلنعمل بوصية الله ونحافظ على عطيّته لنا، لبنان . ودمتم.