في كتابه الصادر حديثاً تحت عنوان “أجمل التاريخ كان غداً”، يروى نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي وقائع كثيرة تتناول علاقة الأفرقاء اللبنانيين بسوريا في مرحلة وصايتها على لبنان، وبينها ما يرتبط بالقوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع.
ومن الوقائع التي يرويها، لقاء عرض فيه جعجع على غازي كنعان “خدمات أمنية”.
يقول الفرزلي في الصفحتين 289 و290 من كتابه: “أخطرني غازي كنعان، بعد إطاحة ميشال عون، عشية استقالة سليم الحص في 19 كانون الأول 1990، أن رئيس الجمهورية خابره، وقال له إن سمير جعجع يريد الاجتماع به لمناقشته في نشر الجيش في الأشرفية، وسأله الرئيس هل يجد قصر بعبدا أو الأشرفية مكاناً ملائماً أو أي مكان آخر للاجتماع؟
رد غازي كنعان: لا بعبدا ولا الأشرفية، أنا ذاهب إليه في غدراس.
وبالفعل، حصل اللقاء بين الرجلين هناك، حيث كان مقر جعجع في ذلك الوقت، في حضور ضابطين لبناني هو العقيد ميشال رحباني وسوري هو اللواء عزت زيدان.
لدى عودته من الاجتماع الطويل، روى لي غازي كنعان جانباً رئيسياً من المداولات بقوله:
أمضيت قرابة نصف ساعة أحدثه في سبل المساعدة على إعادة انتاج الدور المسيحي في لبنان وتعزيزه، واستعادة الفسيفساء اللبنانية الجميلة التي يشكل المسيحيون عمودها الفقري. وجهت انتباهه إلى أهمية تأليف حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع بمن فيهم هو. قلت له إننا قريبون من تأليفها، وشجعته على أن يكون في صلبها وأحد ركائزها. أسهبت في الكلام على أنه قادر على القيام بهذه المهمة وتصدرها، ودعوته القوات اللبنانية إلى عدم إهدار فرصة هي في مثل هذا الحجم من المسؤولية الوطنية.
وأردف غازي كنعان قائلاً: ما أن أنهيت كلامي حتى فاجأني بالقول رأس من تريد ممن يتعاملون مع العراق واستخبارته في مناطقنا؟ رددت بأنني أتحدث في السياسة وليس في الأمن. يدي في الأمن كافية كي تطول من يقتضي أن تطاوله. لست عاجزاً عن جلب هؤلاء. أنا أتكلم معك في قضايا استراتيجية تخض البلدين.
أسر إلي أنه بعد خروجه من الاجتماع، لمس بأن سمير جعجع لا يريد المشاركة في النظام إلا على قاعدة الاعتراف به مرجعية أحادية وحيدة لتمثيل المسيحيين في السلطة، ليكون وحده الشريك المسيحي في الحكم، وأن يجري التعامل معه على هذا الأساس، والإقرار بدوره طبقاً للمعيار الذي رسمه لنفسه”، ختم الفرزلي.